رئيس البلدية في
ظل قوانين البلدية الجزائرية
لنظام
اللامركزية صورتين: اللامركزية المرفقة، واللامركزية الإقليمية وهذه الأخيرة،
تعتبر تجسيدا للديمقراطية، التي تمنح لسكان المناطق المحلية الحق في مباشرة شؤونهم
وتسيير مرافقهم بأنفسهم عن طريق مجالس منتخبة منهم.
ومن وجهة النظر الكلاسيكية،
اللامركزية هي تقنيات إدارية بسيطة في الدولة، ترتكز على مبدأين متناقضين: استقلالية
التسيير ووحدة الدولة.
والإدارة اللامركزية الإقليمية
بالجزائر التي تمثل جزءا من الإدارة المحلية، تقوم على وحدتين إداريتين هما
الولاية والبلدية. وهذه الأخيرة مرّت بعدة مراحل؛ ففي المرحلة الاستعمارية كان
التنظيم البلدي بالجزائر يتميز بوجود ثلاث
أصناف من البلديات، بلديات أهلية متواجدة في الجنوب وفي بعض الأماكن النائية في
الشمال، وتميزت بطابعها العسكري، وبلديات مختلطة كانت تغطي الجزء الأكبر من
الإقليم، حيث وجدت في مناطق يقل فيها تواجد الأوربيين، وبلديات ذات التصرف التام
(العاملة)، وأقيمت في أماكن التواجد المكثف للأوربيين بالمدن الكبرى والمناطق
الساحلية، وقد خضعت هذه البلديات إلى القانون البلدي الفرنسي الصادر في 05 أفريل
1884.
وعقب الإستقلال، عرفت الجزائر
المغادرة الجماعية للبلديات من طرف الموظفين الأوربيين، وفي غياب الإطارات
الجزائرية المؤهلة لتسيير شؤون البلدية، نتج عنها وضع خطير عاشته البلديات، إضافة
إلى ظهور عجز كبير في ميزانيات البلدية نتيجة إنخفاض الموارد المالية مع زيادة
كبيرة في النفقات نتيجة الواجبات الإجتماعية المفروضة على البلديات.
وللتصدي لهذه الوضعية، إتخذت الدولة
عدة تدابير، منها تنظيم دوريات تدريبية وملتقيات لصالح موظفي البلدية، وكذلك القيام في سنة 1963 بإصلاح
إقليمي تمثل في تخفيض عدد البلديات من 1578 إلى 676 بلدية. وهدف هذا الإصلاح إلى
توسيع حجم البلديات للتخفيف من عجزها في الوسائل البشرية، وكذا تعيين لجان خاصة
على مستوى كل بلدية تقوم بتسيير الشؤون المحلية و يترأس كل لجنة خاصة رئيسا يقوم
بوظيفة رئيس البلدية، وهذا في إنتظار إعداد قانون بلدي جديد للجزائر المستقلة.
وفي هذه المرحلة كانت البلدية تسيّر وفق قانون
البلدية الفرنسي المؤرخ في 05 أفريل
1884، وذلك إلى غاية صدور الأمر 67 ـــــ24 المؤرخ في 18/01/1967، المتضمن قانون
البلدية.
وقد تميز هذا القانون بالتأثر
بالنموذج الفرنسي والنموذج اليوغسلافي، ويبدو التأثر بالنظام الفرنسي خاصة بالنسبة
لإطلاق الإختصاص للبلديات، وكذا في بعض المسائل التنظيمية الأخرى بحكم العامل
الاستعماري، أما التأثر بالنموذج اليوغسلافي فيعود سره إلى وحدة المصدر الإيديولوجي المتمثل
في النظام الإشتراكي، وإعتماد نظام الحزب الواحد وإعطاء الأولوية في مجال التسيير
للعمال والفلاحين.
وإستمر العمل بقانون 1967 إلى غاية
صدور قانون البلدية لسنة 1990، والذي تميّز بخضوعه لمبادئ وأحكام جديدة أرساها
دستور1989، وعلى رأسها إلغاء نظام الحزب الواحد وإعتماد نظام التعددية الحزبية ولم
يعد في ظل هذه المرحلة للعمال والفلاحين أي أولوية في مجال الترشح كما كان من قبل،
وأعقب صدور قانون البلدية لسنة 1990 صدور قانون آخر في ظل دستور 1996، وهو قانون
البلدية الحالي رقم 11 ـــ 10.
وعليه، فنظرا لمكانة رئيس البلدية، بإعتباره
يرأس هيئة تعنى مباشرة بشؤون المواطنين وأحوالهم حيث تعتبر نقطة الإحتكاك الأولى والمباشرة
بين المواطن والمسؤولين، ينبغي معرفة
المركز الذي حدده له القانون ومعرفة حدود إختصاصه ومسؤوليته ولذلك تناولنا
رئيس البلدية إنطلاقا من الإشكالية التالية:
كيف نظم القانون
الجزائري المركز القانوني لرئيس البلدية ؟ و ما هي إنعكاسات ذلك على صلاحياته ؟
وللإجابة على هذه الإشكالية إعتمدنا على فكرتين
عامتين، الفكرة الأولى تطرقنا فيها إلى النظام القانوني لرئيس البلدية (الفصل
الأول) فبإعتبار البلدية هي قاعدة اللامركزية وهذه الأخيرة، لا
تعني الإستقلال المطلق للهيئة التي تتمتع بالشخصية وإنفصالها عن السلطة المركزية،
وهي أيضا لا تعني الخضوع والتبعية، بل تعني تمتع الجماعات المحلية بقدر من
الإستقلال في ممارسة مهامها إزاء الإدارة المركزية، مع خضوعها لنوع من الرقابة
وهذا ما تفرضه مقتضيات سير العمل الإداري والسياسي في الدولة.
وعلى مستوى البلدية، فالأجهزة التي تكرس نظام
اللامركزية، هي المجلس الشعبي البلدي ورئيس المجلس الشعبي البلدي ولذلك قمنا
بتقسيم هذا الفصل إلى فكرتين رئيسيتين، في الفكرة الأولى قمنا بتحديد كيفية تعيين
رئيس البلدية وإنتهاء مهامه (المبحث الأول) ونستشف من هذه الفكرة
رغبة المشرع في
تعزيز مكانة رئيس البلدية حيث ورد في عرض الأسباب في المشروع التمهيدي لقانون
البلدية لسنة 2011النزعة نحو زعزعة إستقرار رئيس المجلس الشعبي البلدي وجعله في
موضع الأقلية رغم أنه هيئة تنفيذية منبثقة عن قائمة الأغلبية.
ومن
هذا المنطلق، بحث المشرع من خلال قانون البلدية الجديد، سبل ضمان إستقرار المجلس
الشعبي البلدي، من خلال إصلاح النظام الإنتخابي ووضع
مركز قانوني للمنتخب المحلي.
ولذلك، تناولنا في هذا المبحث مطلبين ، فتطرقنا إلى
كيفية تعيين رئيس البلدية والمراحل المختلفة التي تمر بها هذه العملية (المطلب
الأول)، ثم تطرقنا إلى إنتهاء مهامه وذلك من خلال تبيان أسباب إنتهاء المهام (المطلب
الثاني).
أما الفكرة الرئيسية الثانية للفصل
الأول فتطرقنا فيها إلى الرقابة المبسوطة
على رئيس البلدية (المبحث الثاني) حيث تلعب الرقابة الممارسة على الإدارة
العامة دورا مهما في إحترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون، ذلك أن النظام
الرقابي، يشبه الجهاز العصبي الذي يعمل على تحسس مواطن الخطأ، من ثم تجنبها
وتفاديها. وهذه الرقابة تأخذ صورا مختلفة، تتمثل في الرقابة الوصائية (المطلب
الأول) ورقابة سياسية وشعبية (المطلب الثاني) ورقابة قضائية (المطلب
الثالث).
أما الفكرة العامة الثانية فتطرقنا فيها لإختصاصات رئيس
البلدية والوسائل القانونية المستعملة في قيامه بهذه الإختصاصات (الفصل الثاني) من
خلال تبيان ما جاء به قانون البلدية من صلاحيات واسعة لرئيس المجلس الشعبي البلدي
لتمثيل البلدية لمتابعة الشؤون العامة للمواطنين، وتنفيذ جميع برامج التنمية
المحلية للبلدية،
سواء بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة.
وتطبيقا لمبدأ الإستقلالية للجماعات المحلية المدعم للامركزية،فإن البلدية
في تسيير حاجياتها تبحث عن طرق مستقلة عن سلطة الدولة في التسيير حتى تضمن حرية أوسع.
وقد قسمنا هذا الفصل أيضا إلى فكرتين رئيسيتين، الفكرة الأولى تناولنا فيها
إختصاصات رئيس البلدية (الـمبـحث الأول) حيث تقسم صلاحيات رئيس البلدية
إلى قسمين، فهو أولا وقبل كل شيئ ممثلا للبلدية، ولكن الدولة تمنحه بعض الصلاحيات
وتطلب منه القيام ببعض المهام التي ليست في صالح البلدية وحدها ولكن في الصالح العام،
مما يجعل رئيس البلدية يخضع للسلطة السلّمية للوالي والوزير المكلف بالداخلية في
الحالات التي يتصرف فيها لحساب الدولة. ولذلك، فقد تناولنا إختصاصات رئيس البلدية
بإعتباره ممثلا للبلدية (المطلب الأول)، كما تطرقنا إلى إختصاصاته بإعتباره ممثلا للدولة (المطلب الثاني).
أما الفكرة الرئيسية
الثانية حاولنا فيها تبيان الوسائل القانونية المستعملة لممارسة هذه الإختصاصات
(المبحث الثاني) ذلك أن رئيس البلدية من أجل قيامه بالإختصاصات التي حددها
له القانون هو بحاجة إلى وسائل تمكنه من الأداء الفعلي لهذه الإختصاصات، وبما أن
نشاط السلطات الإدارية المحلية يأخذ عدة مظاهر، منها القرارات الفردية والتنظيمية،
إلى جانب العقود الإدارية، فقد تناولنا في هذه الفكرة قرارات رئيس المجلس الشعبي
البلدي (المطلب الأول) والعقود
الإدارية التي يبرمها (المطلب الثاني).
وعليه، فإن البلدية في الجزائر بعد أن
كانت عقب الإستقلال مكانا لتجسيد النظام الإشتراكي، إلا أن الأحداث التي شهدتها
الجزائر أواخر الثمانينات، جعلتها تعدل عن خيارها الإشتراكي وتتجه نحو الخيار
اللبرالي، وذلك من خلال إنتهاجها لأول مرّة التعددية الحزبية من خلال دستور 1989،
وهو ما نتج عنه تعديل في مجمل القوانين على النحو الذي يتماشى مع الخيار الجديد،
ومن بين هذه القوانين نجد صدور قانون البلدية لسنة 1990، الذي إعتبر ثورة وإنقلاب
على قانون البلدية لسنة1967 حيث كرّس التعددية الحزبية في إختيار المجالس الشعبية
و رؤساء هذه المجالس.
غير أن هذا القانون بالرغم من
الإيجابيات التي جاء بها والتي كانت تعتبر مكاسب في تلك الفترة، إلا أنه وبمرور
الوقت أظهر عجزا وعدم تأقلم مع الوضع الجديد والتطور المنطقي للمجتمع، الذي أصبح
يطالب بمزيد من الإصلاحات، ولم يعد يكتفي بما جاء به قانون البلدية لسنة 1990، وهو
ما أدى بالسلطة المركزية إلى محاولة إمتصاص لهذا التشنج وعدم الرضا على تسيير
البلدية من خلال إصدارها لقانون البلدية رقم 11 ـــ 10 والذي كان ينتظر منه أن
يكون ثورة حقيقية على كل السلبيات التي إكتنفها قانون البلدية رقم 90 ـــ 08، وبالتمعن
في هذا القانون نجد:
أنه جاء بأهم ضمانة لرئيس البلدية من
خلال التخلي عن إجراء سحب الثقة، الذي كان سببا في زعزعة مكانة رئيس البلدية من
جهة، وخلق عدم الثقة بين المجلس ورئيسه من جهة أخرى، مما يؤدي إلى عدم إستقرار
البلدية.
غير أنه إلى جانب الإيجابيات القليلة
التي جاء بها، هناك كثير من السلبيات، فهو لم يضف كثيرا لما كان موجودا في قانون
البلدية السابق، فأبقى على الرقابة الوصائية والمالية المشدّدة على البلدية.
كما أنه لم
يقلّل من الإحالة إلى التنظيم، بحيث يجعل من قانون البلدية كافيا بذاته لتبيان
حدود صلاحيات البلدية بل بقي على نهج الإحالة إلى نصوص مختلفة، وهو ما أدى إلى
تناقضها ممّا يخلق إشكالات حول أيّ منها يطبق، ولا خير دليل على ذلك التعارض بين
قانون البلدية رقم 11 ـــ 10 والقانون العضوي رقم 12 ــــ 01 المتضمن قانون
الإنتخابات.
إضافة أنه، بالرجوع لإختصاصات رئيس
البلدية، فرغم كثرتها إلى حدّ لا يمكن معها حصرها، إلاّ أنه لم يتم تزويد البلدية
بالوسائل الكافية للقيام بهذه الإختصاصات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق